رحلة الـ900 قرية: أيوب الخرشة يوثّق روح الريف الأردني بعدسته

مبادرة ذاتية لعاشق المغامرات والوطن

هلا أخبار – محمد فريج – في زمن تتسارع فيه الخطى نحو المدن وتُطوى فيه صفحات القرى بهدوء، قرر الشاب الأردني أيوب أحمد الخرشة أن يعكس الاتجاه، ويشق طريقه المعاكس نحو الجذور، حيث تبدأ الحكايات الأولى وتنبت الأرض المعنى. حمل كاميرته، وخيمته، وخريطة افتراضية تضم ما يقارب 900 قرية أردنية، وبدأ رحلته الميدانية التي سمّاها ببساطة: رحلة الـ900 قرية، عرفها من خلال خرائط جوجل.

“الأردن مش بس البترا” بهذه العبارة يلخّص أيوب رؤيته لمشروعه الذي يستهدف إعادة الاعتبار للمناطق المهمشة إعلاميا وسياحيا. فرغم الأضواء المسلطة على الوجهات السياحية التقليدية، تبقى القرى في الظل، بثرائها الثقافي وتنوعها الجغرافي والاجتماعي. من هنا، قرر أيوب أن “يقاوم الضجيج بضوء مختلف”، على حد وصفه.

بدأت الرحلة من أقصى شمال الأردن، من قرية عقربة الحدودية التي وصفها بـ”قمة في الجمال”، متحديا بذلك حرّ الصيف، ووعورة الطرق، وضعف الموارد. هدفه أن يمر على كل قرية أردنية، يوثّق معالمها، يحاور أهلها، يصور أذان مساجدها وأجراس كنائسها، ويجمع ما يختبئ في الزوايا من حكايات وذكريات.

“حتى القرى التي اختفت أو هجرت، سأقف عندها. كل قرية لها حكاية… وبعض القرى، الناس هم الحكاية”، يقول أيوب.

لا يحمل أيوب كاميرته فحسب، بل يعيش الحياة اليومية للقرى التي يزورها. يُخيم في أماكن مطلة، ينهض مع شروق الشمس، ويوثق الحياة الصباحية الهادئة، والغروب الساكن الذي لا يقاوم. يتنقل بين قرية وأخرى بسيارته القديمة التي شارك في تجهيزها متابعوه على مواقع التواصل، في تجربة جماعية جعلت الجمهور شريكا حقيقيا في الرحلة.

أيوب الخرشة قدّم وصفا دقيقا ومؤثرا لتجربته في لقاء أهل القرى وما يفعله داخل كل قرية يزورها خلال رحلة الـ900 قرية. فهو لا ينسّق مسبقًا مع أهل القرية قبل زيارته، لكنه يُفاجأ دائما بكرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، خاصة في قرى الشمال.

قال: “حاس حالي أنا بين أهلي وناسي وربعي… مش حاس حالي غريب.” ويصف التفاعل معه بأن القرى تكون “بانتظار أيوب”، ويشعر أن وجوده متوقع ومُرحَّب به. “بس أوصل، الناس تعرفني وتعرف سيارتي، وحاطيني على راسهم.”

يجلس مع الكبار، يسألهم عن تاريخ القرية، أصل تسميتها، كيف بدأت، ماذا كانت تشتهر، وما الذي تغيّر الآن. يتابع: “ما بنستغني عن مقولات وآراء أهل القرى.”

ورغم الزخم الشعبي والانتشار الذي تحققه مبادرة أيوب على المنصات الرقمية، إلا أن الدعم الرسمي ما زال غائبا، “البلديات تتجاوب، لكن لا تواصل من وزارة السياحة أو الجهات المركزية حتى الآن”، يوضح. ومع ذلك، يصر على أن هدفه الأساسي ليس الشهرة أو التمويل، بل “أن يعرف الأردنيون بلدهم أولاً، ثم يعرفها العالم”.

“أريد أن أثبت أن الأردن كله زينة”، يقول أيوب بابتسامة واثقة. “وأن قرانا ليست مجرد نقاط على خريطة، بل هي قلب البلاد وروحها”.

في وقت يتطلع فيه الشباب للهجرة أو الهروب من الواقع، يختار أيوب أن يسير في العكس، أن يتأمل ويستمع ويرى. رحلة الـ900 قرية ليست مجرد توثيق لمكان، بل استعادة لذاكرة وهوية مهددتين بالاندثار.

رحلة أيوب مستمرة. لا إعلان ممول، لا إنتاج ضخم، فقط كاميرا، وإرادة، وحب لوطن اسمه الأردن.

رسالة أيوب الخرشة للشباب الأردني واضحة ومباشرة ومحفزة. في لقائه الإذاعي عبر برنامج “هنا الأردن”، وجه نداء صادقا ملؤه الإيمان بقدرة الشباب على التغيير، فقال:

“إذا عندك خطة أو فكرة بتخدم بلدك، لا تتردد، قول بسم الله وابدأ فيها.”





الوسوم
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق