أين نحن من أهداف الدراسات العليا في الجامعات؟

كتب: د. موسى شتيوي

يتمتع التعليم العالي– الدراسات العليا– على المستوى العالمي بأهمية كبيرة لدى الجامعات والمجتمعات على حد سواء حيث أن هناك علاقة قوية بين الدراسات العليا وإنتاج المعرفة والتقدم الاقتصادي.

فمن خلال برامج الدراسات العليا يتم إنتاج القيادات المجتمعية في كافة المجالات في الإدارة والأعمال والسياسة والطب والهندسة وغيرها من المجالات.

بعبارة أخرى، فمن خلال الدراسات العليا يتم تطوير الخبرات للأساتذة والطلبة التي تعمل على التصدي للمشكلات والتحديات الحالية والمستقبلية وذلك من خلال تكوين الخبرات المعرفية والمهارات لحل المشاكل الكبيرة التي تواجه المجتمع.

وهي كذلك للأساتذة والطلبة على حد سواء حيث أننا نتكلم عن بيئة متكاملة تقوم على التدريس والبحث العلمي كنشاط جماعي وفردي.

كما أن الدراسات العليا تخرج مواطنين متعلمين في العلوم والرياضيات والعلوم الإنسانية مما يساهم أيضًا في تطوير نوعية الحياة والمحافظة على النسيج الاجتماعي والثقافي.

لذلك تقوم الجامعات بالدول المتقدمة بالاستثمار ببرامج الدراسات العليا والبحث العلمي بشكل كبير من خلال المنح الدراسية للطلاب كما تقوم جهات عديدة بتمويل سخي للبحث العلمي.

الجامعات لا تعمل بمعزل عن حاجة وأهداف المجتمع لا بل إنها تستجيب لها وتشكل رافعة لتقدم المجتمع وخاصة الاقتصادي.

يتم تحقيق ذلك من خلال تكوين المهارات المعرفية والبحثية والتدريسية لدى طلبة الدراسات العليا التي تمكنهم من العمل في الجامعات والمراكز البحثية مستقبلا.

وهذا يؤثر على الحافز للذين يلتحقون بهذه البرامج سواء كانت على مستوى الماجستير أو الدكتوراه حيث أنه يصبح مسارًا وظيفيًا لهم.

أما في الأردن والعديد من الدول العربية، فإن التوسع في التعليم الجامعي أدى إلى التوسع الكبير وغير المدروس في برامج الدراسات العليا.

لقد تم ذلك بمعزل عن حاجة المجتمع وعن مدى توفر الكفاءات والبيئة العلمية القادرة على إنجاح هذه البرامج. أحد الدوافع الرئيسية للعديد من الجامعات هو مالي.

لذلك، حدث تضخم في أعداد البرامج والطلبة حيث جاء ذلك على حساب النوعية. المسجل العام بالجامعات هو الذي يقرر قبول الطلبة وأعدادهم وليس الأقسام الأكاديمية.

هو من يقرر وليس الأقسام. أعتقد أن بعض أسباب المشكلة تكمن في عدم توفر الكفاءات المتقدمة في العديد من التخصصات، الغياب شبه الكلي للبيئة الأكاديمية وضعف المصادر، عدم اشتراط تفرغ الطلبة للدراسات العليا وأخيرًا وجود دوافع اجتماعية أكثر منها للحصول على الشهادة العليا.

هذه العوامل مجتمعة أدت إلى ضعف في التكوين المعرفي والبحث العلمي للعديد من الخريجين في أغلب البرامج.

حسب بيانات هيئة الاعتماد فهناك 30000 طالب دراسات عليا في الجامعات الأردنية وإذا افترضنا أن الطلبة يتخرجون بعد ثلاث سنوات من التحاقهم بالبرنامج فهذا يعني أن لدينا عشرة آلاف خريج في العام وبمعدل 27 خريج ماجستير ودكتوراه في اليوم.

وحيث أنه لا يوجد عدد كاف من المؤسسات لاستيعاب هذه الأعداد، فينتهي المطاف بالعديد منهم إلى البطالة أو العمل في غير اختصاصهم.

مجلس التعليم العالي وهيئة الاعتماد كانت طلبت من الجامعات إعادة النظر بالتخصصات الراكدة والمشبعة حيث بدأت بعض الجامعات بذلك وسوف نرى في قادم الأيام وقفًا أو إغلاقا لبعض البرامج ولكن ذلك لن يغير الصورة.

هناك شبه اتفاق بأن برامج الدراسات لم تحقق الغاية المتوقعة منها. لذا فالمطلوب هو مقاربة وطنية جديدة تستند إلى تقييم علمي محايد وشامل يأخذ كافة الأبعاد بعين الاعتبار للخروج بحلول عامة لهذه المشكلة.

أحد عناصر هذه المقاربة هو التحول للاستثمار بالدراسات العليا بدلًا من استخدامها كاستثمار كما هو حاليا والعمل على تهيئة البيئة العلمية والبيئة التحتية الضرورية وتقليص أعداد البرامج والطلبة واشتراط التفرغ في الدراسات العليا.

الغد




زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق