لماذا خرجوا .. كيف دخلوا..؟

يمر التعديل الوزاري – هذه المرة – دون ان يحظى بأي حوار او نقاش، ترى هل زهد الناس في التعويل على ما يجري من عمليات تجميلية او جراحية للحكومات، هل فقدوا ثقتهم في وعود الاصلاح والتغيير، هل انسحبوا من ميادين الاهتمام بالشأن العام، واستقالوا من السياسة، هل أخذتهم انشغالاتهم «بكورونا» وبالرغيف والدواء ومستلزمات «الاولاد» وضغوط المعيشة الى التفكير بما هو أهم، فقرروا ترك «المهم» لمن يرونه كذلك؟

ربما يكون ذلك صحيحاً، لكن «الاصح» ان يقال بان الخلل ليس في مواقف الناس واختياراتهم، ولا في مستوى وعيهم وانحيازاتهم، وانما في منهج التعديل نفسه، فالوزراء السابقون واللاحقون، الخارجون والداخلون، لا يختلفون في شيء، لا في الاداء ولا في الكفاءة ولا في المدارس السياسية والاقتصادية التي خرجوا منها (ان كان ثمة مدارس)، والآلية التي أفرزتهم او صرفتهم من مواقعهم، هي الآلية التي الفناها منذ عقود، لا علاقة لها بالبرامج ولا بالكتل الحزبية المتنافسة، ولا بالانجاز الوطني والسياسي، وانما بالاعتبارات الشخصية والاجتماعية، فالتعديل مطلوب لذاته، وبورصة الاسماء المرشحة «مخزنة» دائما في الذاكرة، ويمكن استعادتها في الوقت المناسب، وحين تسأل: لماذا خرج هذا الوزير؟ او لماذا دخل آخر؟ تفاجأ بان احداً لا يملك اي اجابة مقنعة، اللهم سوى بعض الاشاعات او التأويلات الاعلامية.. واحياناً «الرغبة» في تغيير الوجوه فقط.

التعديل – اذن – في اهم تجلياته، مناسبة للحديث عن الاصلاح، لا لتدشين الاصلاح، وللحديث عن البرامج السياسية، لا لاقرار او تغيير او تفعيل هذه البرامج، وللحديث عن ترشيق الحكومات، وضخ الدماء الجديدة، وتحسين الاداء، وتفعيل سنة الاستبدال، واطالة عمر الحكومة.. لكنه في الحقيقة لا يتجاوز ما يقتضيه «الحديث» عن لا الحديث في، وشتان بين هذين الحرفيين، ولو كان التعديل او ما سواه من مصطلحات تدل على معان حقيقية، يلمسها الناس، وينتظرونها، ويحتشدون للمساهمة فيها ويتآلفون على الحاجة اليها، لما احتاروا في معرفة من يدخل ومن يخرج، ولماذا وكيف، ولما اضطروا الى ابتداع الآليات والاسباب والاهداف، او الاجتهاد في فهم المقصود، او حتى – الزهد – في ذلك كله والانسحاب الى السكوت، لكنه «الموسم» الذي يبدو انه اصبح معتاداً بعد كل سنة من تشكيل اي حكومة، والفرصة الاكثر اثارة «للنخب» التي تنتظر: موقعاً وزارياً، او مناسبة للتحليل والخروج من زحمة البطالة السياسية، او اشارة للبحث عن خطوط جديدة في بورصة المنافع والمصالح وابرام الصفقات المأمولة.

يغيب الجدل السياسي والفكري عن «اجواء» التعديل الوزاري، في بلد يستشعر المزيد من الاخطار والتحديات، لان آلية اختيار الحكومات وتعديلها وتقييم ادائها ما زال بحاجة الى اعادة نظر، وينحصر النقاش في ترشيح الاسماء واعطائها ما تحتاجه من «مضامين»، لان البرامج التي يفترض ان يجري الحوار حولها ما تزال غائبة، وتبدو مؤسساتنا الوطنية، وفي مقدمتها البرلمان، بعيدة عن هذه المناسبة، لانها غير مدعوة للمشاركة فيها، او ان شئت لان مشاركتها – ان حصلت – لن تقدم غير مطالبات معروفة سلفاً، لا علاقة لها بجوهر الآليات والبرامج والمواقف التي يفترض ان تكون «ميزاناً» للتعديل.

مع كل تعديل، نكرر المقولات ذاتها، والتحليلات، ذاتها، ويغصّ المشهد بالاسماء ذاتها، وتنطلق ماكينة التكهنات، والوعود ذاتها، فهل سيأتي علينا الزمن الذي نبحث فيه عن تعديل لهذا التعديل، او لذاك التشكيل، بحيث تكون السياسة هي الحاضرة، والاعتبارات الاجتماعية والشخصية وراء ظهورنا، وبحيث يكون قانون «الاستبدال» قائماً على البرامج والمواقف وخارجاً من رحم الكتل الحزبية الكبيرة، والتقويم الموضوعي للمنجز الوطني، لا من رحم الاشخاص والاعتبارات الطارئة، والمبررات التي لم يعد يقتنع بها احد.

الدستور




هلا اخبار عبر اخبار جوجل
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق