ليست خسائر بسيطة ومرت بسلام

كتب: حسين الرواشدة

حصاد الأسبوعين المنصرفين كان كافياً لرؤية ما طرأ على صورة مجتمعنا من تحولات، لم تكن هذه التحولات بالطبع جديدة ولا مفاجئة، لكنها – على الأقل- كانت كاشفة لتراكمات لم يكن لدينا رغبة في رؤيتها، او الاعتراف بها، ناهيك عن استباقها بمواجهات عاقلة.
على هامش ما جرى منذ حادثة السلط وحتى 24 آذار أرجو ان أسجل ملاحظتين، الأولى هي ان ما تعرض له مجتمعنا من ضغوطات داخلية وخارجية، وخاصة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي(قبل كورونا وبعدها) أفرز منه أفضل ما فيه وأسوأ ما فيه ايضاً، وهي نتيجة طبيعية لردود أفعال الناس حين يتصرفون على تلقائيتهم، وفي غياب المرجعيات التي يفترض ان تمتلك الرؤيا والبوصلة لكي توجه وترشد وتضبط، أما الملاحظة الثانية فهي ان مجتمعنا الذي تصورنا في لحظة «يأس» انه استسلم لقدره وصمت، قرر ان يتحرك ويواجه الحقائق التي داهمته، ربما تكون هذه الحركة أحياناً غير مدروسة وربما تعكس من الانفعالات اكثر ما تعكس من الأفعال الجادة، لكنها في النهاية تشير بكل وضوح الى انطباع عام وهو ان لدى هذا المجتمع رغبة في استعادة عافيته وتجاوز حالة الشكوى والندب التي تعود عليها فيما مضى الى حالة جديدة عنوانها الاعتماد على النفس والتعبير بصراحة عن الذات والاشتباك مع الواقع.
صحيح ان الدعوات التي انطلقت للاحتجاج في الشارع أسهمت في تقسيم الرأي العام والمجتمع ايضا، وصحيح انها جاءت في وقت غير مناسب، لكن ما حدث من استنفار لمواجهتها كان غير مناسب ايضا، هنا بالضبط (اقصد المستقبل) يمكن لأحدنا ان يضع يده على قلبه خوفاً من سوء تقدير «الحسابات»، سواءً من طرف المجتمع بسبب الإصابات الذي لحقت به ودفعته الى الانفعال او من طرف «المسئولين» الذين ربما يخطئون في التعامل معه، لسبب او للآخر، كما يمكن لأحدنا ان يشعر بالخوف مما يراد لبلدنا ان يصل اليه، لا أتحدث هنا عن حسابات الإقليم ورماله المتحركة والعاصفة، ولا عن الأجندات التي يجري ترتيبها لاستنزاف أقطارنا العربية، وإنما أيضا عن ملفات الداخل القابلة للانفجار، سواء في المجال الاقتصادي او الاجتماعي، التي لا يمكن –بالطبع- عزلها عما يحدث حولنا في المنطقة والعالم، لدرجة قد يبدو للمتابع انها جزء من «العملية» التي تتعلق بالمنطقة كلها، وببلدنا تحديداً، وكأن ثمة ممن يريد ان يوصلنا الى «نقطة» ما، ليس في مصلحتنا ان نصل اليها.
السؤال هنا، ماذا نريد فعلاً، وما هي الوصفة الصحيحة للخروج من أزماتنا المختلفة، ومن هو المعني بتحديد هذه الوصفة،ومن اية صيدلية يمكن ان تصرف؟
هذا السؤال صعب، لكن الإجابة عليه لا يمكن ان ننتظرها من «شارع» يتحرك بلا «رؤوس» وبلا برامج ولا بوصلة، كما لا يمكن ان ننتظرها من صالونات النخب السياسية التي انعزلت عن هذا الشارع او خاصمته وحكمت عليه انه مصدر «للفتنة»، ولهذا اترك الاجابة عليه لكل مسئول في بلادنا، وأتمنى ان نفكر جميعا فيما يمكن ان نفعله لتجاوز ما وصلنا اليه من انسدادات.
بقي لدي كلمة واحدة، وهي ان الثمن الذي ندفعه نتيجة خطأ مسئول – اي مسؤول – لا يتعلق فقط بحسابات اللحظة الراهنة, وانما يتعلق بحسابات المستقبل الذي نحاول ان نتجنب مفاجآته .هذه الخلاصة يجب ان نفكر بها عندما نتعاطى مع « الازمات « التي تواجهنا , فالبعض يتصور ان اغلاق ملف اي ازمة , بعد ان يهدأ الناس وتنتهي احتجاجاتهم, سيسجل في قائمة انجازاته وحين تسأله عن الثمن, سيقول لك على الفور : خسائر بسيطة ومرت بسلام, لكن الحقيقة غير ذلك تماما .

الدستور




هلا اخبار عبر اخبار جوجل
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق