الدين العام على طاولة البحث

عصام قضماني

مع ارتفاع الدين العام العالمي ليصل إلى 93 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، يخوض خبراء صندوق النقد الدولي نقاشات تهدف الى معالجة الديون العالمية وحظيت هذه القضية باهتمام كبير خلال اجتماعات الربيع الأخيرة في واشنطن.

في ذات السياق، قال مكتب الموازنة في الكونغرس إن حجم الديون الفيدرالية للولايات المتحدة بلغ 26.2 تريليون دولار، أو 97 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في نهاية العام الماضي. وتتوقع هيئة الرقابة المالية المستقلة أن يطابق أعلى مستوى سابق له بعد الحرب العالمية الثانية بنسبة 116 في المائة في عام 2029.

ما سبق يقول لنا أن العالم ينفق أكثر من إيراداته بمعنى أن النمو الاقتصادي لا يحقق التوازن المطلوب وأن الحل هو في إحراز نمو حقيقي يخفف اللجوء إلى توسع المديونية لكن الأهم هو استمرار التفاوت بين الدول الصناعية الكبرى وباقي دول العالم حتى في أحجام المديونية ويأتي ذلك كله في ظل توقعات بنمو هش من جهة واستمرار ضغوط التضخم من جهة أخرى وتأثير الحلول التقليدية مثل رفع أسعار الفائدة على كليهما.

لا تضع الحكومات المتعاقبة في الأردن المديونية على طاولة البحث رغم أنها مثلت ولا تزال بندا مؤثرا ومقلقا وأهم دوافع القلق هي في استمرار معدلات النمو الضعيفة.

ما فهمناه حتى الآن من سياسات إدارة الدين العام أنه ليس بالإمكان تخفيض الدين العام بالأرقام المطلقة، وأن تخفيضه كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي هو البديل المريح والممكن وهو ما هدفت إليه كل برامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليها مع صندوق النقد، وحتى هذا اليوم تسير هذه النظرية بأكثر من التفاؤل والطموح لكن ذلك لا يكفي طالما أن عجلة النمو تسير برتابة ولا تكاد تبارح معدلاتها التي استقرت حولها أو لم تغادرها منذ عام 2009 أي بعد عام على اندلاع الأزمة المالية العالمية.

الدين العام لا يقف في حدود ثابتة فهو يتزايد أو يثبت في مقابل معدلات نمو لا تسهم في انقاص نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي كما هو الطموح.

لا نستطيع أن نقول أن سياسة إدارة الدين العام كما هي في برنامج التصحيح وفي توصيات صندوق النقد قد فشلت لكننا على أقل تقدير يمكننا أن نقول إن هذه السياسة لا تقود إلى النتائج المامولة على صعيد الدين العام لكنها من ناحية ساهمت بشكل فعال في تثبيت التصنيف الائتماني للأردن.

في الواقع إن نجاح سياسات إدارة الدين العام يمكن أن تتمثل في الإبقاء على الدين العام تقريباً عند مستواه بمعنى تثبيته نسبيا للمديونية، أو على الأقل الحيلولة دون ارتفاعه كماما يعني ضبطه وهو إنجاز إن تحقق مع العمل على رفع النمو الاقتصادي لبدأت عملية التخفيض التدريجي.

ما ينبغي تعديله هو هدف برامج التصحيح وهو وقف استمرار تصاعد الدين العام، قبل التفكير في تخفيضه، وبذلك يمكن التخفيف من الضغوط عن كاهل مدفوعات الموازنة لخدمته وتحويل الأولوية إلى تحفيز الاقتصاد ودفعه للنمو وإيجاد فرص عمل.

إدارة الدين العام لا يجب أن تتم بمعزل عن أهداف النمو، وما يجب أن تأخذه بالاعتبار هو إمكانية تحقيق النمو دون ارتفاع المديونية.

هذا مقترح يجب أن يوضع على طاولة البحث، جنبا إلى جنب مع خطة التحديث الاقتصادي.






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق