ما الذي تقوله تصريحات واشنطن؟
ماهر أبو طير

تدفقت التصريحات من مكتب الرئيس الأميركي في واشنطن في توقيت حرج وحساس، خصوصا، بعد أن سبقتها تصريحات كثيرة للرئيس الأميركي.
التصريحات السابقة كلها تحدثت عن الأردن ومصر، وكأنها دول للإيجار، عليها أن تتورط في ملف تهجير الغزيين من قطاع غزة، بذريعة إعادة الإعمار الممكنة أصلا بوجودهم في مواقع ثانية داخل القطاع، وهي التصريحات التي أثارت أعصاب المنطقة في سياق تصريحات واشنطن التي باتت تستعدي أغلب دول العالم دون استثناء، وتترك أثرا حادا في غاية السوء لدى شعوب المنطقة، ودول ثانية.
اللافت للانتباه هنا عدة نقاط بشأن الرئيس الأميركي، الأولى أنه تحدث عن المساعدات المقدمة للأردن ومصر، وقال إنه لا يرغب أن يهدد الدولتين بالمساعدات، وهذه لغة اقل حدة من التوقعات المتداولة، لكنها غير لائقة أيضا، وهو كذلك تحدث عن قطاع غزة، كمطور عقاري لديه تصور محدد، لإعادة الإعمار، يعتقد أنه الأنسب، ويقوم في أهم جزء فيه بخروج الفلسطينيين الى دول عديدة، من بينها الأردن ومصر، من خلال توفير قطع أراض للشعب الفلسطيني، وهو الكلام الذي ردت عليه القاهرة مباشرة بعد التصريحات وقالت إنها لن توفر قطع أراض للغزيين، بمعني رفض التهجير كليا.
تصريحات الملك في المكتب البيضاوي، حملت إشارات متعددة، وعلينا التنبه أولا إلى أن الملك يتواجد في واشنطن، والرد من خلال التصعيد باللغة، قد لا يكون مكانه المناسب في مؤتمر صحفي، ولا أمام الإعلام في الولايات المتحدة أصلا، كما أن الإعلان عن علاج ألفي طفل فلسطيني من غزة في الأردن، كان بمثابة تحديد سقف غير مباشر لعدد الغزيين الذين سيدخلون الأردن من أصل مليوني وربع مليون فلسطيني في غزة، ولغاية إنسانية محددة لن يعترض عليها أي أردني او فلسطيني، لكن بالتأكيد أن وصول ألفي طفل مع مرافقيهم ليس تهجيرا لا كليا، ولا جزئيا، ولكنه ترسيم محدد الملامح والاتجاهات لطبيعة الدور الأردني نحو غزة، أي الدور الإنساني، وليس الدخول في دور بمواصفات أميركية، ويضاف الى ما سبق ان الأردن استدعى الموقف المصري، مطالبا بانتظار رؤية المصريين، والكل يعرف أن مصر مهددة اكثر بسيناريو التهجير كونها الاقرب جغرافيا الى القطاع، وقد أبرق المصريون برد عاجل في ذات الليلة، اشرت اليه أعلاه، كون هذا الملف يهدد الامن القومي المصري، ويشطب القضية الفلسطينية، ولهذا أشار الملك الى الرد العربي أيضا، الذي سيتقدم به العرب، لواشنطن حول ملف غزة، بمعنى أن لا رد أردنيا سوى المعروف، حول قطاع غزة، وأن الرد سيكون عربيا من خلال مبادرة محددة يحتمل الكل مسؤوليتها، في ظل مناخات سلبية أصلا من جانب دول عربية بعد تهديدات إسرائيل لدول عربية، ومطالبتها بإقامة دولة فلسطينية على أراضيها.
النقطة الأهم ان الملك قال انه سيفعل ما هو لمصلحة الأردن، وهذه واضحة، لأننا كلنا نتفق على ان مصلحة الأردن وشعبه، منع التهجير من غزة، او الضفة الغربية، إضافة الى ان القصة لا تكمن فقط في المساعدات المالية، التي يحتاجها الأردن لأن كلفة قطعها اقل بكثير من كلفة التورط بسيناريو تهجير تحت الضغط، ومصلحة الأردن هنا لا يختلف عليها احد، فهي معنونة بإدامة استقرار الأردن السياسي والأمني، والاقتصادي، والاجتماعي، والحفاظ عليه، وفي مسار متواز مع تثبيت الفلسطينيين على ارضهم، وحماية وجودهم في داخل فلسطين، خصوصا، مع المهددات المقبلة على الطريق بشأن المسجد الأقصى تحديدا، في توقيت يتم فيه اجتياح الضفة الغربية، والتغول على المخيمات فيها، وقتل الفلسطينيين يوميا.
برغم ان التصريحات تسببت في قراءات متناقضة، إلا أن القراءة الاعمق يجب ألا تغفل مكان اطلاق التصريحات، ولا طبيعة الرئيس الأميركي، ولا الاختلال في طبيعة الأسئلة الإعلامية، ومساحات الإجابات، ولا حساسية الظرف، حيث نقف امام احتمال اندلاع الحرب مجددا في القطاع، كما أن الأردن الذي لم يعلن موافقته أصلا على منح أي ارض للغزيين، يندرج رد فعله اليوم في سياق عربي، وربما أوروبي لاحق امام هذا التهور.
علينا ان ننتظر ما الذي سيحدث بعد زيارة واشنطن؟
(الغد)