المرأة الأردنية في عهد الملك عبد الله الثاني.. من الرؤية إلى واقع ملموس

هلا أخبار- شكّل تمكين المرأة الأردنية ركيزة أساسية في المشروع الإصلاحي الشامل الذي يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني، حيث تُرجمت الرؤى الملكية إلى سياسات وتشريعات وبرامج عززت من حضور المرأة في الحياة العامة ومواقع صنع القرار، بما يتماشى مع مبدأ تكافؤ الفرص وتحقيق التنمية المستدامة.
وفي إطار الاحتفالات بعيد الجلوس الملكي الـ 26، الذي يصادف في التاسع من حزيران من كل عام، أجرت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) حوارًا موسعًا مع الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة المهندسة مها علي، ورئيسة لجنة المرأة في مجلس الأعيان العين خولة العرموطي، كما سلّطت “بترا” الضوء على دور اللجنة الوزارية لتمكين المرأة، بهدف إظهار أبرز الإنجازات والتحديات المتعلقة بتمكين المرأة في عهد جلالته الميمون.
وأكدت المهندسة مها علي، أن مبادرة “مراجعة البيئة التشريعية لتمكين المرأة اقتصاديا” تصدرت أولويات “البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي للأعوام 2023-2025″، مشددة على أن ضعف المشاركة الاقتصادية للمرأة يُعد عقبة رئيسة أمام جهود التنمية المستدامة.
وأوضحت بأن العديد من التشريعات جرى تعديلها أو إصدارها منذ عام 2023، بما ينسجم مع تعديلات الدستور الأردني لعام 2022، مبينة أن التعديلات هدفت إلى تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة، ومن أبرزها الفقرة السادسة من المادة السادسة التي تنص على أن “تكفل الدولة تمكين المرأة ودعمها للقيام بدور فاعل في بناء المجتمع بما يضمن تكافؤ الفرص على أساس العدل والإنصاف وحمايتها من جميع أشكال العنف والتمييز”.
وفي مجال المشاركة السياسية، أشارت المهندسة علي إلى صدور قانوني الانتخاب والأحزاب لعام 2022، بالإضافة إلى نظام المساهمة المالية في دعم الأحزاب السياسية لسنة 2023، والتي ساهمت في زيادة نسبة تمثيل النساء في مجلس النواب وتعزيز مشاركتهن الحزبية، مبينة أن النظام المعدّل للنظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2023، منح النائبات الحق بتبوأ منصب أحد مساعدي رئيس المجلس في حال عدم فوز امرأة بمواقع الرئاسة أو نائبي الرئيس.
وعلى الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، لفتت إلى أن قانون التنمية الاجتماعية لسنة 2024 يمكّن وزارة التنمية من تقديم الحماية والرعاية للفئات المحتاجة، وبموجبه صدرت أنظمة ترخيص دور رعاية المسنين، ومزاولة مهنة العمل الاجتماعي، ودور الحضانة لعام 2024، مؤكدة إسهام هذه الأنظمة في تعزيز مشاركة المرأة بتوفير فرص عمل متنوعة، وتطوير المهن وتنظيمها، مما يعزز الحماية الاجتماعية والتمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة.
وفي سياق تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل وتوفير الحماية لها، أوضحت علي بأنه صدر نظام الحماية الاجتماعية المرتبط بتأمين الأمومة لسنة 2024، ونظام معدل للمنافع التأمينية للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لسنة 2024، كما ألزم نظام ترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة والأجنبية لسنة 2023 هذه المؤسسات بتطبيق أحكام قانوني العمل والضمان الاجتماعي، وتحويل الرواتب إلى الحسابات البنكية أو المحافظ الإلكترونية.
وأشارت إلى أن مجلس الأعيان يناقش حاليًا تعديلات على قانوني العمل والضمان الاجتماعي بهدف توحيد مدة إجازة الأمومة بين القطاعين، وحماية المرأة الحامل من الفصل التعسفي، وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية، مضيفة أن هذه التعديلات تهدف لمواكبة أنماط العمل الحديثة مثل العمل المرن، الذي صدر بشأنه نظام العمل المرن لسنة 2024.
وأضافت أن القانون المعدل لقانون الشركات لسنة 2023 رفع نسبة تمثيل المرأة في مجالس إدارة الشركات المساهمة، حيث حددت تعليمات حوكمة الشركات لعام 2024 نسبة تمثيل لا تقل عن 20 بالمئة، وبحد أدنى مقعد واحد.
ولتيسير وصول المرأة للعدالة، أفادت بأن القانون المعدل لقانون أصول المحاكمات الشرعية لسنة 2023 أجاز استخدام الوسائل الإلكترونية في الإجراءات القضائية، وصدر بنفس الاتجاه نظام المساعدة القانونية في نقابة المحامين النظاميين لسنة 2024، لافتة إلى قانون الجنسية الأردنية الذي سمح للمرأة بالعودة إلى جنسيتها الأردنية بطلب عند انقضاء الزوجية، كما صدر نظام صندوق مساعدة ضحايا الاتجار بالبشر لسنة 2023 لحمايتهم.
وفي إطار مؤسسي، بيّنت المهندسة علي، أن صدور قانون اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة رقم 11 لعام 2025 في الجريدة الرسمية، يضع إطارًا قانونيًا لجهة قائمة منذ 33 عامًا، مما يضمن استدامتها واستقلالها المالي والإداري، ويكفل تكامل الأدوار بين المؤسسات الرسمية والأهلية لتعزيز مكانة المرأة.
وأكدت الأمينة العامة أن اللجنة، بموجب قانونها الجديد، معنية بـإعداد وتحديث الاستراتيجية الوطنية للمرأة ورفعها لمجلس الوزراء للموافقة عليها، موضحة بأن اللجنة تعمل مع الجهات الحكومية لوضع السياسات العامة وتحديد الأولويات الوطنية، وقد أعدت الخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية للمرأة للأعوام 2023-2025 لتتوافق مع رؤية التحديث الاقتصادي، وخارطة طريق تطوير القطاع العام، ومخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
واشتملت الخطة التنفيذية على ستة محاور رئيسة، هي: التمكين الاقتصادي والسياسي، والمشاركة في صنع القرار، والحقوق الإنسانية، ومجابهة العنف ضد النساء والفتيات، والثقافة المجتمعية، بالإضافة إلى إدماج المنظور القائم على المساواة بين الجنسين في القطاعين العام والخاص.
وأشارت المهندسة علي إلى تقييم أولي للاستراتيجية الوطنية للمرأة 2020-2025، ستُبنى عليه الاستراتيجية لما بعد عام 2025 مع الأخذ بالتحديات والفرص بعين الاعتبار، مؤكدة استمرار نهجها التشاركي لإعداد الاستراتيجية المقبلة بما يواكب رؤية التحديث الشامل والتزامات الأردن الدولية مثل أجندة التنمية المستدامة 2030، مع إعداد إطار للمتابعة والتقييم يتضمن مؤشرات أداء محددة.
وفيما يتعلق بتطور الخطاب المجتمعي، ذكرت المهندسة علي أنه شهد تطورًا إيجابيًا ملحوظًا خلال العقدين الماضيين، بفضل الإرادة الملكية الواضحة، والجهود الحكومية، والإصلاحات التشريعية، والسياسات والمبادرات الوطنية، مضيفة أنه في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، كان هناك توجيه واضح نحو تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة، وزيادة تمثيلها السياسي ووصولها لمواقع صنع القرار، بدءًا من إقرار “كوتا المرأة”” عام 2003 وصولًا لمخرجات منظومة التحديث السياسي، ونتيجة لذلك، تشغل المرأة الأردنية اليوم العديد من المناصب القيادية في الحكومة والبرلمان والبلديات والقضاء.
إلى جانب ذلك، ساهمت رؤية التحديث الاقتصادي وخطة تحديث القطاع العام، التي تضمنت محاور لتمكين المرأة وزيادة مشاركتها الاقتصادية ورفع تمثيلها في المواقع القيادية الحكومية، في تعزيز خطاب مجتمعي مؤيد لتمكين المرأة، مشيدة بجهود منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام التي زاد اهتمامها بقضايا المرأة وحقوقها، مما رفع الوعي المجتمعي وعزز تبني خطاب داعم لمشاركة المرأة، خاصة بين الأجيال الشابة.
وفيما يخص الفجوة بين التشريعات والتطبيق العملي، أوضحت المهندسة علي، أن العديد من التشريعات كان لها أثر إيجابي واضح في تمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، ومثالها مخرجات منظومة التحديث السياسي التي زادت نسبة تمثيل المرأة في مجلس النواب لتصل إلى 19.6 بالمئة، وهي الأعلى في تاريخ المملكة، مع توقعات بزيادتها مستقبلا.
وتُعنى اللجنة الوزارية لتمكين المرأة، بصفتها لجنة دائمة في رئاسة الوزراء، بتعزيز التنسيق المؤسسي بين الوزارات والمؤسسات الحكومية، لضمان دمج قضايا المرأة في السياسات والخطط الوطنية.
وتقوم اللجنة بتشكيل فرق عمل قطاعية متخصصة تُعنى بإدماج احتياجات المرأة والفتيات وذوات الإعاقة في قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والعمل والرقمنة، كما تعد استراتيجيات وخطط عمل وأدلة توجيهية تضمن تكامل التمكين مع رؤى التحديث الثلاث، وتواكب تنفيذها من خلال بناء قدرات الكوادر الحكومية وتقديم تقارير دورية تعكس التقدم في قضايا المرأة على المستويين المحلي والدولي.
وعلى صعيد التمكين الاقتصادي للمرأة، خصوصًا في المحافظات، شهدت السنوات الأخيرة إنجازات ملموسة بفضل تفعيل الاستراتيجيات المنبثقة عن رؤية التحديث الاقتصادي، حيث ساهمت التعديلات التشريعية على قوانين العمل والضمان الاجتماعي والشركات، في تحسين بيئة العمل للمرأة، ومن أبرز هذه الإنجازات، تعديل نظام دور الحضانة الذي يسمح بتسجيل “الحضانات المنزلية”، وهذا التعديل أتاح للنساء في المحافظات تأسيس مشاريع صغيرة من منازلهن، ودعم الأمهات العاملات.
كما تم توجيه التمويل الحكومي لدعم إنشاء الحضانات في الجمعيات، وتوفير وسائل نقل آمنة للعاملات في الزراعة، وإنشاء محطات وقوف صديقة للمرأة، وتقديم قروض ميسرة بفائدة منخفضة مع فترات سماح طويلة لضمان استدامة المشاريع النسائية، إلى جانب ذلك، تعزز برامج التدريب المهني في مجالات غير تقليدية كالروبوتكس والطاقة المتجددة والتسويق الإلكتروني والحرف الرقمية، فضلاً عن برامج مدفوعة الأجر بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية ومؤسسة التدريب المهني.
ولضمان دمج تمكين المرأة بشكل أصيل ضمن رؤية التحديث الاقتصادي والإداري لجلالة الملك عبدالله الثاني، أطلقت اللجنة الوزارية استراتيجية متخصصة لتمكين المرأة ضمن الرؤية، حيث استندت إلى نتائج خمس جلسات تركيز ودراسات معمقة حول التحديات التي تواجه مشاركة المرأة الاقتصادية، مثل التحديات التشريعية وفرص الوصول إلى التمويل والمشاركة في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
كما أدرجت اللجنة الوزارية مؤشرات أداء تمكين المرأة ضمن البرنامج التنفيذي للرؤية للأعوام 2023–2025، ليصبح هذا القطاع خاضعًا للمتابعة والتقييم ضمن النظام الإلكتروني لأداء الحكومة، بالإضافة إلى إسهام اللجنة في صياغة سياسات وإجراءات تعزز التوازن بين الجنسين، وتدعم مشاركة المرأة في المواقع القيادية وصنع القرار، لتضمن شراكة فاعلة للمرأة في مسيرة التحديث الوطني.
من جانبها، أكدت رئيسة لجنة المرأة في مجلس الأعيان العين خولة العرموطي، أهمية المرحلة المحورية التي شكلها عهد جلالة الملك عبدالله الثاني في مسار تطوير التشريعات المتعلقة بحقوق المرأة في الأردن، مشيرة إلى أن السنوات الماضية شهدت خطوات جادة لإلغاء أو تعديل نصوص قانونية كانت تُشكل عبئًا على العدالة وحقوق النساء.
ولفتت إلى أن من أبرز هذه التحولات، إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات، بالإضافة إلى تعديلات مؤثرة طالت قوانين العمل، والأحوال الشخصية، والعنف الأسري، والضمان الاجتماعي، باعتبار أن هذه الإنجازات التشريعية تعكس التزام الدولة بحماية المرأة وتعزيز مكانتها في المجالين العام والخاص، مشددة على ضرورة أن ترافق هذه القوانين إرادة تنفيذية فاعلة، وبنية مجتمعية داعمة، وآليات رقابية تضمن التطبيق العادل والمنصف.
وفيما يتعلق بحضور المرأة في المشهد التشريعي، أوضحت العرموطي بأن المرأة الأردنية سجلت حضورًا لافتًا بعد انتخابات 2024، والتي أسفرت عن فوز 27 امرأة بمقاعد في مجلس النواب، بينهن 9 خارج نطاق الكوتا، ما يُعد مؤشرًا على تطور الوعي المجتمعي والإرادة السياسية، منوهة إلى أن الحضور ما يزال دون مستوى الطموح، خصوصًا في اللجان السيادية ومواقع رئاسة الكتل النيابية.
وأشارت إلى أن التطلعات تشمل تعزيز مشاركة النساء في صياغة السياسات لا الاكتفاء بالتصويت عليها، إلى جانب تعديل النظام الداخلي للمجالس التشريعية، ودعم التمكين الحزبي، وزيادة نسبة النساء في المناصب العليا.
وحول دور التعاون بين الدولة والمجتمع المدني في تمكين المرأة، أكدت العرموطي أن العقد الأخير شهد تنسيقًا فعّالًا بين الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، خاصة اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، والمجلس الوطني لشؤون الأسرة، إلى جانب الشراكات مع منظمات دولية مثل هيئة الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لافتة إلى أن هذا التعاون أسهم في إطلاق برامج واسعة للتوعية القانونية، والتمكين الاقتصادي، ومناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي.
ولفتت كذلك إلى أن هذه الجهود ساعدت في تعزيز الثقافة الحقوقية لدى النساء، وتهيئة بيئات أكثر حساسية لاحتياجات المرأة، مشددة على أهمية الانتقال إلى مرحلة أكثر عمقًا، تُركز على الوصول إلى النساء في المحافظات والمخيمات والمناطق الأقل حظًا، وتُعزز التنسيق مع القطاع الخاص لضمان استدامة هذه البرامج بعيدًا عن الطابع الموسمي.