قالها الملك.. غزة خذلها العالم

نيفين عبدالهادي

بينما تستمر إسرائيل بهجومها وعدوانها على إيران، تمتد يد أخرى لها لتواصل حربها اللاإنسانية على قطاع غزة، وفي مشاهد تظهر بين الحين والآخر على نشرات الأخبار التي باتت غزة في السطر الثاني فيها وفي بعضها بآخر أسطرها إن ذُكرت، بحرب تزداد اشتعالا وإجراما وتدميرا، ونزوحا، ونيرانا لا تنطفئ، وأعداد شهداء سجّلوا ارتفاعا حدّ أعلى درجات الإجرام.

لمن نسوا، أو تناسوا، وكلاهما واحد!! غزة لا تزال تحترق، وتواجه أبشع وأسوأ الحروب، ولا يزال أطفالها يموتون جوعا، وما زالت أجساد أهل غزة تحترق بنيران الأسلحة الإسرائيلية، ففي يوم واحد وحتى ساعات ظهيرة يوم أمس قالت وزارة الصحة في قطاع غزة، إن 144 شهيدًا و560 جريحًا وصلوا إلى مستشفيات القطاع خلال أربع وعشرين ساعة، فيما لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

ليست أرقاما، هي حكاية كاملة لمعاناة شعب، وإجرام احتلال، وإعلان تحكيه هذه الأرقام عن غياب ضمير وإنسانية العالم، الذي أدار ظهره لهذه الكوارث، وزاد من تجاهلها خلال الأيام الماضية، لتبقى غزة وحيدة في مساحات حقيقة خارج الزمن، وبعيدا آلاف الأميال عن العدالة والإنصاف، بقيت غزة وحدها، تخرج عن صمتها بصراخ هل من مغيث، لتسمع فقط صوتا واحدا يغيثها ويقف معها، بل ويحارب دبلوماسيا وسياسيا لإنصافها هو صوت الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، فقط من بقي مع غزة التي لا تزال تدمرها وتحرقها إسرائيل، ولا نبالغ إذا ما قلنا إنها تزداد عنفا وتدميرا لها.

جلالة الملك في خطابه التاريخي أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بفرنسا أمس الأول، وضع العدالة والإنصاف، على طاولة أوروبا والعالم، ليبحثوا عنها في غزة أين هي، وفي فلسطين، بصوت أردني عظيم قويّ شجاع شجاعة القابض على جمر الحق والعدل، ليقولها بحزم «اليوم يتجه هذا العالم نحو انحدار أخلاقي، إذ تنكشف أمامنا نسخة مخزية من إنسانيتنا، وتتفكك قيمنا العالمية بوتيرة مروعة وعواقب وخيمة. يتمثل هذا الانحدار بأوضح أشكاله في غزة، التي خذلها العالم، وأضاع الفرصة تلو الأخرى في اختيار الطريق الأمثل للتعامل معها».

نعم، هو الملك عبدالله الثاني، الصوت الأردني العربي يصرخ في أكثر المنابر العالمية أهمية في صناعة القرار الدولي، إن العالم يتجه نحو انحدار أخلاقي، وتنكشف نسخة مخزية من إنسانيتنا، هي الحقيقة التي لا يراها كثيرون، فغزة كشفت كل هذا، وجلالته ملك الإنسانية وضعها على هذا المنبر العالمي الهام، ليسمع ويرى العالم هذه الحقيقة التي يصرّ على تجاهلها ووضعها خلف ظهره دون أن يرمش له جفن بأن غزة تُباد، وتتعرض لوحشية منذ أكثر من 18 شهرا.

فرض جلالة الملك غزة على العالم وأعادها أولوية أمس الأول، بحزم وبلغة كسرت بعظمتها جدران الصمت العالمية التي تحيط غزة، وتغمض أعينها عن الكوارث التي تشهدها، وقد سمى جلالته الأمور بمسمياتها الصحيحة، بل الواقعية، وبكل وضوح، قالها جلالة الملك «ليس بوسعنا أن نتعجب من ذلك، لأنه عندما يفشل مجتمعنا العالمي في سد الفجوة بين القول والفعل، وعندما لا تُمارس القيم السامية، فإنها تصبح ادعاءات فارغة ومستهلكة»، وهذا هو الحال مع غزة، الحال العالمي الذي ترك ويترك وسيترك غزة تواجه حربا كان وكما قال جلالته من الممكن إنقاذها بأكثر من فرصة.

لمن يرون بأنفسهم حراسا للعدالة، ويرفعون راية الحقوق البشرية والإنسانية، الحرب على غزة لم تنته، وكل ما ترددونه هو ادعاءات فارغة مستهلكة، فالعالم يعيش فجوة بين القول والفعل، وقد خذل غزة.

(الدستور)





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق