المدرسة الذكية: بوابة إلى المستقبل دون المساس بثوابتنا التربویة

د. اخليف الطراونة

في عالم یتغیر بوتیرة غیر مسبوقة بفعل الثورة الرقمیة، أضحت المدرسة الذكیة خطوة ضروریة لا مفر منھا لتطویر التعلیم والنھوض بجودتھ. غیر أن المضي نحو ھذا النمط الجدید من التعلیم لا یعني بالضرورة الانسلاخ عن قیمنا الأصیلة أو تھمیش ھویتنا التربویة التي شكلت على مر الأجیال حصناً منیعاً في مواجھة التحدیات الفكریة والثقافیة.

إن المدرسة الذكیة في جوھرھا تقوم على تسخیر التقنیة الحدیثة لخدمة التعلم، وتوفیر بیئة تعلیمیة مرنة وتفاعلیة تراعي الفروق الفردیة بین الطلبة، وتفتح أمامھم آفاقاً أرحب للبحث والاكتشاف والابتكار. وقد أثبتت تجارب دول عدیدة أن دمج التقنیة في التعلیم یسھم في رفع مستوى التحصیل الأكادیمي وتنمیة مھارات التفكیر النقدي والإبداعي لدى الطلبة.

وفي الأردن، تواصل وزارة التربیة والتعلیم بخطى مدروسة تطویر البنیة التحتیة الرقمیة وتحدیث المناھج وتدریب المعلمین ضمن إطار التحول الرقمي الذي یعد من أبرز ركائز رؤیة التحدیث الاقتصادي. وقد جاء ذلك استجابة لحاجة وطنیة ملحّة لتھیئة جیل قادر على المنافسة والإسھام في بناء اقتصاد معرفي مزدھر.

غیر أن ما یستحق الوقوف عنده بعنایة، ھو البعُد القیمي والتربوي لھذا التحول. فكثیر من التربویین والباحثین یحذرون من أن الإفراط في الاعتماد على التقنیة قد یؤدي إلى فتور الروابط الإنسانیة بین الطالب ومعلمھ، أو قد یضُعف من دور المدرسة بوصفھا فضاءً تربویاً یعُنى بغرس القیم وتعزیز الھویة الوطنیة والانتماء الثقافي.

إن المدرسة الذكیة یجب ألا تكون مجرد فضاء لتلقین المھارات التقنیة، بل ینبغي أن تبقى حاضنةً للمفاھیم الإنسانیة والقیمیة التي تشُكّل شخصیة الطالب، وتحصنھ ضد النزعات الفردیة والاستھلاكیة التي قد ترافق الانغماس في العوالم الافتراضیة.

ومن ھنا، فإن النجاح الحقیقي للمدرسة الذكیة یتمثل في إیجاد توازن دقیق بین الانفتاح على أحدث التقنیات التعلیمیة من جھة، والحفاظ على جوھر العملیة التربویة من جھة أخرى. ولتحقیق ذلك، ینبغي على السیاسات التعلیمیة أن تدمج التعلیم الرقمي ببرامج متجددة لترسیخ الھویة الوطنیة، وتدریس القیم الأخلاقیة والمھارات الاجتماعیة، وتعزیز العلاقة بین الطالب ومعلمھ كقدوة تربویة حیة.

ولعل من أبرز التوصیات لتحقیق ذلك ما یلي:

إعداد أدلة إرشادیة واضحة للمعلمین لضمان الاستخدام الأمثل للتقنیات دون أن یطغى الجانب الآلي على البعد الإنساني للتدریس.

تضمین المناھج الرقمیة وحدات صریحة لتعزیز الھویة الوطنیة والقیم الأصیلة.

إشراك أولیاء الأمور في التوعیة الرقمیة، بما یضمن استخدام التقنیة في إطار من الرقابة والتوجیھ السلیم.

إنشاء مراكز بحثیة لتقییم أثر التحول الرقمي على القیم التربویة وسلوكیات الطلبة، وصیاغة حلول عملیة لمعالجة التحدیات الناشئة.

إن المدرسة الذكیة في سیاقنا الأردني والعربي یجب أن تكون مدرسة عصریة بروح أصیلة؛ مدرسة تجمع بین حداثة الوسائل وثبات المبادئ، وتفتح نوافذ المعرفة أمام أبنائنا دون أن تھدم جدران القیم التي تحمیھم.

إن رھاننا على بناء جیل واعٍ ومبدع ومتمسك بھویتھ ھو رھان على وطن قوي ومستقبل مشرق. ولن یتحقق ھذا الرھان إلا بمدرسة ذكیة لا تفقد ذكاءھا القیمي والإنساني وسط ضجیج الشاشات.

(الرأي)





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق