الأردن في اليوم العالمي للاجئين.. حدود مفتوحة لكل مُحتاج للحياة

هلا أخبار – دخل الأردن إلى مئويته الثَّانية وما زال على المبدأ نفسه، والثوابت الإنسانية ذاتها في التعامل مع كل إنسان هارب من البطش والدمار والخوف والقتل، لتكون أرضه ملاذًا آمنًا حتى يستطيع العودة إلى بلاده التي غادرها لاجئًا إلى المملكة.

وفي اليوم العالمي للاجئين والذي يُصادف اليوم الـ20 من شهر حزيران من كل عام، يستمر الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثَّاني، بالدعوة إلى نهج تنموي دولي للتصدي لتبعات أزمة اللاجئين، ويحذر في المحافل الدولية كافة من أعباء الصراعات ومآلات الحروب وما ينطوي عليها تدفق موجات الهجرة واللجوء في أنحاء العالم، وهو ما يعني استمرار المعاناة الإنسانية.

ووفقا لتقرير الاتجاهات العالمية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 2024 الذي نُشِر في حزيران الحالي، فإن عدد النازحين قسراً حول العالم قُدِّر بـ 123.2 مليون شخص، وذلك جراء الاضطهاد والصراعات والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان والأحداث المخلّة بالنظام العام بشكل خطير، ويعادل ذلك 1 من كل 67 شخصاً على وجه الأرض، ويُمثل ذلك زيادة قدرها 7 ملايين شخص أو 6% مقارنةً بنهاية عام 2023. وبينما تضاعفت مستويات النزوح تقريباً على مستوى العالم خلال العقد الماضي، تباطأ معدل الزيادة في النصف الثاني من عام 2024.

الناطق الإعلامي باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في الأردن يوسف طه، قال: “بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، تؤكد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن تقديرها العميق للدور الإنساني الكبير الذي تضطلع به الأردن في استضافة اللاجئين وتوفير الحماية والمساعدة لهم منذ عقود، وتُشيد المفوضية بشراكتها المتينة مع الحكومة الأردنية والمانحين والشركاء الإنسانيين، والتي تُعدّ نموذجًا عالميًا في التضامن وتحمل المسؤولية المشتركة تجاه اللاجئين”.

وأوضح أن اليوم العالمي للاجئين هذا العام يحمل شعار “التضامن مع اللاجئين”، يعد تأكيدًا على أهمية دعم اللاجئين وتمكينهم من بناء مستقبلهم بكرامة وأمان، أينما كانوا، منوها إلى أن المفوضية تدعو في هذه المناسبة، المجتمع الدولي إلى مواصلة تقديم الدعم للأردن وللاجئين على أراضيه، لضمان استمرار الخدمات الأساسية وتوفير سبل العيش الكريم للجميع.

وتابع: “يبلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن حوالي 600 ألف في الوقت الحالي، حيث عاد ما يقارب من 85,500 لاجئ سوري مسجل لدى سجلات المفوضية إلى سوريا، وتحترم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم طوعًا، بأمان وكرامة”.

وقال مدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية المهندس رفيق خرفان، إن حق العودة للاجئين الفلسطينيين لا يسقط بالتقادم، ولا يلغيه أي ظلم أو عدوان، ولا يجوز للمجتمع الدولي تجاهل هذا الحق بعد مرور 77 عاما على تهجير أكثر من 9 ملايين لاجئ فلسطيني داخل وخارج فلسطين، كما أن تجاهل هذا الحق للاجئين الفلسطينيين يعد وصمة عار للمجتمع الدولي بتخليه عن تطبيق القرارات الأممية التي صدرت بهذا الخصوص.

وبين أنه بحسب سجلات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا)، فإن عددهم يبلغ اليوم قرابة 6 مليون لاجئ 42% منهم في الأردن.

وأشار إلى أنه في هذا العام، يحل يوم اللاجئ والمنطقة تسودها أجواء من الاضطرابات وعدم الاستقرار، حيث تواجه فلسطين تحديات متزايدة فتواصل عيش فصلٍ آخر من نكباتها، فصل يوثق تزايد انتهاكاتها وتفشي مشاريعها الاستيطانية واستهداف الاحتلال الإسرائيلي لمخيمات اللاجئين في الضفة الغربية بما فيها مخيمات القدس، بينما قطاع غزة يعاني من ظروف صعبة جراء الصراع المستمر الذي تسبب في خسائر بشرية ومادية كبيرة منذ حوالي عشرين شهرا، ضمن محاولات الاحتلال الإسرائيلي دفعهم لمغادرة أرضهم كجزء من مخطط هدفه هو القضاء على قضية اللاجئين وتصفيتها.

وأكد خرفان على تصدي الأردن بموقفه التاريخي والواضح حيال القضية الفلسطينية شعباً وأرضاً ومقدسات، بحزم لهذه المطامع والمساعي ورفضها رفضا قاطعا؛ جملة وتفصيلاً، مع التأكيد على رفضه التهجير والتوطين والوطن البديل، ومُبطلاً أية سيناريوهات من شأنها الالتفاف على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، أو التجاوز والقفز عن حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة باعتباره حقاً أساسياً ثابتاً غير قابل للتصرف لا يسقطه عامل الزمن مهما طال أمده.

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في كلية الأمير الحسين بن عبدالله الثاني للعلوم السياسية والدراسات الدولية الدكتور وسام الهزايمه قال: “في خضم الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالمنطقة، يثبت الأردن مجدداً أنه دولة مسؤولة تتحمل ما يفوق قدراته الاقتصادية جراء استضافته للاجئين، دون أن يتخلى عن قيمه ومواقفه التاريخية والتي ما فتئ الموقف السياسي الأردني على تأكيدها من خلال جلالة الملك في المنتديات الدولية، وفي الزيارات لدول العالم المختلفة، على الرغم من الضغوط الداخلية وأهمها العوامل الاقتصادية والضغوط الخارجية التي تتمثل بانخفاض المساعدات، لا يزال الأردن يواصل استضافة اللاجئين”.

وحول اللاجئين السوريين أوضح الهزايمة أن الأردن يتعامل مع هذا الملف بمسؤولية وواقعية وبما يتفق مع عهود ومواثيق اللجوء الإنساني في المنظمات الدولية، مؤكدا أن الأردن مستمر في القيام بدوره وبما لا ينفصل عن ضرورة حماية أمنه القومي.

الباحث ومدير تحرير مجلة دراسات شرق أوسطية العلمية الدكتور بيان العمري، قال: “تشكل ظاهرة اللجوء عبئاً وتحدياً اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً على أي دولة مستضيفة، ولكن الأردنّ، ومنذ نشأته قبل أكثر من قرن من الزمان، تعامل مع كل موجات الهجرات واللجوء بمنطلق إنسانيّ وأخلاقيّ عالي المستوى، حيث فتح أبوابه لكل لاجئ ولكل مستغيث به، ومن شتى الأصول والمنابت في هذا العالم”.

وأشار إلى أن “الأردن أتاح المجال لانخراط معظم اللاجئين فيه اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، حيث يتقاسم الأرض والمال ورغيف الخبز مع أشقائه وإخوته في الدين والإنسانية ليضمن لهم الأمن والأمان والحياة الكريمة، رغم ما يسبّبه له ذلك من تحديات وضغط على البنى التحتية في الماء والطاقة والموارد، مشيرا إلى دور الخارجية الأردنية سياسيا ودبلوماسيا تجاه حل أزمات اللجوء، وما تبذله من مساع لمساعدة الأشقاء في كلّ من سوريا أو العراق أو اليمن، وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين إلى ديارهم وأهلهم مطمئنين سالمين”.

أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية الدكتور ليث نصراوين قال: تعددت المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تُعنى بشؤون اللاجئين أهمها اتفاقية اللجوء لعام 1951 والبروتوكول الملحق بها لعام 1967، حيث تتضمن هاتان الوثيقتان القانونيتان النصوص والقواعد الأساسية التي تحكم آلية التعامل الدولي مع اللاجئ.

وأضاف: يتمثل المبدأ الأساسي الذي يحكم علاقة اللاجئ بالدولة التي يلجأ إليها هو عدم جواز الإعادة القسرية، والذي يقصد به ألا يتم إعادة اللاجئ إلى بلد يمكن أن يواجه فيه تهديدا خطيرا لحياته أو حريته، فهذه القاعدة قد جرى تكريسها ضمن قواعد القانون الدولي العرفي قبل أن يتم “دسترها” في الاتفاقية الدولية لعام 1951.

وأوضح نصراوين أنه على الرغم من الحماية القانونية التي يسعى المجتمع الدولي إلى توفيرها للاجئين، إلا أن المشكلة تتفاقم سنويا بسبب زيادة عدد الأشخاص المهجرين حول العالم، بسبب الأوضاع السياسية والأمنية والحروب التي تعصف بالعديد من مناطق العالم.

ولفت إلى أن العلاقة بين الأردن واللاجئين، فقد كانت وعلى الدوام علاقة مستمرة لا تنقطع، إذ لم يكن اللجوء إلى الأردن حدثا طارئا أو عابرا عبر العقود والسنوات الماضية، بل هو ظاهرة متجذرة في تاريخ الدولة منذ نشأتها، فالأردن يتعامل مع اللاجئين من منظور إنساني وحس عروبي أصيل، فكان يعاملهم معاملة المواطنين فيحترم كرامتهم ويكفل لهم مستوى عال من الحياة الكريمة، مع توفير مستلزمات الحياة الأساسية لهم وتكريس حقوقهم في الحياة والتعليم والتنقل والعمل قدر المستطاع بما لا يشكل إخلالا على الأمن والسلم الوطني، كل ذلك على الرغم من أن الأردن ليست طرفًا موقعًا على اتفاقية اللاجئين لعام 1951.

وركز نصراوين على أن الأردن تحمل أعباء تفوق قدراته الوطنية على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بسبب تعامله الإنساني مع اللاجئين، ولا يزال المجتمع الدولي قاصرا عن تقديم الدعم الكافي للأردن الذي يُترجم مبدأ تقاسم الأعباء والمسؤوليات المنصوص عليه في القانون الدولي.

مفوضة الحماية في المركز الوطني لحقوق الإنسان الدكتورة نهلا المومني قالت إن “الأردن وفي ظل الأزمات الإقليمية المتتالية كان صاحب دور محوري وإنساني في قضية اللاجئين، وبرز ذلك في عدة سياقات دللت على التزامه بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وقبلها بالقيم الإنسانية المشتركة، وتمثلت أولى هذه السياقات في التزام الأردن بالمبدأ الدولي والراسخ في القانون الدولي العرفي وهو مبدأ عدم الطرد أو الرد؛ ويشكل هذا المبدأ حجر الزاوية في التعامل مع قضايا اللاجئين، ويتمثل في عدم رد الدول للاجئين وإعادتهم إلى دول قد يتعرضون فيها للاضطهاد، حيث يعد الأردن رائد الدول في الالتزام بهذا المبدأ”.

وأشارت إلى أن الأردن تعامل مع اللاجئين وفق منظومة حقوقية مكنتهم من التمتع بالحق في التعليم والعمل والصحة وتوفير متطلبات الحياة الأخرى؛ مما مكنهم من ممارسة حياتهم والتقدم في هذا المجال.

أما في الجانب الإجرائي، فأوضحت المومني أن الأردن تبنى بالتعاون مع المنظمات الدولية المختصة نهجا إداريا كان من شأنه توفير مسار واضح لهم وإصدار البطاقات التعريفية اللازمة، وفي الوقت ذاته مكن هذا النهج الإداري اللاجئين من تيسير حصولهم على الوثائق الثبوتية الخاصة بهم من خلال الإجراءات المتبعة وهو ما ساهم في إيجاد حلول دائمة لهم لاحقا.

ولفتت المومني إلى أن الجهود التي بذلها وما يزال يبذلها الأردن في التعامل مع قضايا اللاجئين تجعل لزاما على المجتمع الدولي التعاون وتقديم الدعم اللازم للأردن، حيث أن قضية اللاجئين تخضع لمبدأ التضامن والتعاون الدوليين في التعامل مع تبعاتها.

أمين عام الجمعية العامة للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعا عبر الموقع الإلكتروني للجمعية إلى تعزيزَ الدعم الإنساني والإنمائي، وتوسيع نطاق الحماية والحلول الدائمة لهم.

يشار إلى أنه في العام 2000 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرارها المتضمن تسمية يوم 20 حزيران من كل عام، بـ “اليوم العالمي للاجئين” وتم الاحتفال به ابتداء من عام 2001، تزامنا مع الذكرى السنوية الخمسين لاتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين، التي تحدد المفاهيم الأساسية للحماية الدولية لهم.

–(بترا)





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق