ما أخطر العملاء!

فهد الخيطان

حين تواجه دولة هجوما ضاريا من عدو خارجي، تضع في حسابها الجبهة الداخلية كسلاح أساسي في المواجهة. إيران فقدت هذا السلاح حتى قبل أن تبدأ إسرائيل ضرباتها الجوية. فقد كان أول هجوم منسق على القادة والعلماء الإيرانيين، من تدبير عملاء جهاز الموساد الإسرائيلي.

ومع مرور الوقت، بدأت تتكشف حقائق مذهلة عن شبكات واسعة للموساد في كل مدينة ومحافظة إيرانية. شبكات شيدت معامل لتصنيع المسيرات والمتفجرات، وعملاء يجوبون شوارع المدن بمركباتهم المحملة بالقذائف والطائرات المسيرة.

وصلوا لكل حي سكني يقطنه قادة وعلماء، وتحصنوا قرب مواقع عسكرية وأمنية حساسة. جهد استخباراتي مضى عليه سنوات طويلة، في بلد يعج بأجهزة الأمن والاستخبارات، ويدرك قادته أنهم في حرب مفتوحة منذ أمد بعيد مع إسرائيل وأجهزة المخابرات الغربية.

تصريحات المسؤوليين الإيرانيين التحذيرية بلغت حد الطلب من الأهالي تفقد أسطح منازلهم، لعل العملاء يستخدمونها لإطلاق المسيرات المتفجرة على أهداف عسكرية.

وكل يوم تقريبا يصدر إعلان إيراني عن القبض على مجموعات من العملاء في مدن البلاد، وبأعداد كبيرة، لم نعهد مثلها في عمل مجموعات العملاء والمخربين من قبل.

هذا ليس نجاحا للموساد، بل في الجوهر فشل للدولة التي يصبح بمقدور جهاز استخباراتي خارجي، أن يتغلغل في مجتمعها إلى هذا الحد، ويجند الآلاف، ويدير عملياتهم بكفاءة ودقة.

قدرات الموساد معروفة تاريخيا، وفي حربه مع حزب الله في لبنان سجل نجاحات غير مسبوقة، أهمها عملية تفخيخ البيجر، والوصول إلى زعيم الحزب حسن نصرالله واغتياله.

في دولة هشة أمنيا مثل لبنان بدا هذا أمرا متوقعا، لكن في إيران المحكومة بقبضة أمنية صارمة، يعد مفاجأة إستراتيجية من العيار الثقيل.

ما حصل مع إيران قد ينسحب على بلدان وحكومات مماثلة لنموذجها في الحكم والإدارة والسياسة أيضا. الاستبداد الدموي، والظروف الاقتصادية الصعبة، والحساسيات العالية بين القوميات والإثنيات، في غياب نظام حكم ديمقراطي وتصالحي، والعقيدة الأيديولوجية الصارمة التي تحرم الملايين من حقهم في التعبير وحرية ممارسة حياتهم الاجتماعية، تبدو كلها عوامل أساسية في خلق بيئة اجتماعية حاقدة على الدولة والمؤسسات، للحد الذي يدفع بأفراد كثيرين، إلى ارتكاب جرم الخيانة بحق وطنهم والتعاون مع أجهزة أجنبية بدوافع الانتقام، والكراهية والرغبة في التخلص من الوضع القائم، إضافة طبعا للحصول على مكاسب مالية.

فشل نموذج الدولة هذا ينبئ بالكثير عن حالة من انهيار منظومة القيم الوطنية والأخلاقية وكذلك الدينية في مجتمع تحكمه سلطة دينية قاسية، تضع كل صلاحياتها بيد مرشد أعلى.

استثمر الموساد كما بدا ذلك واضحا، في كل هذه التناقضات والحساسيات المشتعلة في المجتمع الإيراني، ليبني شبكة ضخمة من العملاء والجواسيس على مدار سنوات طويلة، كما أعلن صراحة مسؤولون كبار في إسرائيل، وعندما حان الوقت، جرى تفعيلهم، لضرب الجبهة الداخلية، وتنفيذ عمليات اغتيال نوعية، إضافة إلى نشر الإشاعات وتحريض الشارع ضد السلطات في وقت الحرب، ودفعهم للانقلاب على الحكم.

لقد بدت حرب إيران على جبهتها الداخلية أشد خطورة من حربها مع إسرائيل. خطيرة إلى الحد الذي يشل قدرة المؤسسات عن العمل، ويتركها تحت رحمة الاستهداف من عدو يقيم في جوفها.

ما أخطر العملاء حين يخترقون الدول والمجتمعات!

(الغد)





زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق