الحكومة و”قانون الانتخاب”.. الأولوية لـ”الموازنة” ومن ثم “لكل حادث حديث”

هلا أخبار – وائل الجرايشة – لم يكن التصريح الحكومي الذي أطلقه وزير الدولة لشؤون الإعلام أمجد العضايلة تكتيكياً حول عدم وجود أي توجه – حتى الآن – لطرح مشروع لتعديل قانون الانتخاب.

في بعض الأحيان تسعى الحكومات إلى تجنب الصدام مع البرلمان، فتؤخر إعلان التعديل على قانون الانتخاب وتتردد في الحديث عنه حتى اللحظات الأخيرة لئلا تشتبك مع أعضاء المجلس “المتوترين” عادةً في دورة مجلسهم الأخيرة.

لكن الأمر يبدو اليوم مختلفاً، لأن ما ذكره الوزير في تصريحه يوم الخميس الماضي عبر وكالة الأنباء الأردنية يلامس فعلياً الواقع إلى حد بعيد، فقانون الانتخاب ليس ذا أولوية حكومية ولم يُبحث ضمن الأجندة الرسمية.

هذه الرسالة بدت شبه واضحة في أواخر الدورة العادية الثالثة من عمر مجلس النواب الحالي، فبعد أن كانت التسريبات قبيل انتهاء الدورة تفيد بطرح الملف على الطاولة في منتصف نيسان الماضي، استبعد بحثه تماماً ولم يعد موضوعاً للنقاش الحكومي.

لاحقاً تجنب وزراء معنيون بالملف الحديث علناً حوله أو إبداء التصريحات بشأنه، وإذا ما فوجئوا بسؤال حول قانون الانتخاب والتوجهات الحكومية حياله، فإن أجوبتهم كانت في سياق عام ومن دون الولوج إلى التفاصيل.

ويشي حديث رئيس الوزراء عمر الرزاز في تموز الماضي بعدم رغبته في فتح قانون الانتخاب أو الإبقاء على روح القانون ساري المفعول مع تعديلات طفيفة.

الرزاز كان يتحدث أمام عدد من الكتاب والصحفيين عن 3 آراء سمعها تعود لـ “مخضرمين بالقطاع” من دون أن يتبنى إحداها، لكنه وصف رأياً ب”القوي جداً” ممن كان في اللجنة قبل إقرار القانون الحالي ومن خارجها.

الرأي “القوي” – بحسب الرزاز – يشير إلى أن القانون ليس كاملاً ولا مثالياً ولكنه ليس العقبة الأساسية أمام تطوير الحياة السياسية، إذ قال الرئيس إن “اللجنة عملت وخرجت بهذا القانون والقوائم، وبرغم وجود ملاحظات عليه لكن الشكل العام كان هنالك توافق”.

الرزاز لم يخفِ انطباعاته حينما قال إن التوقعات كانت من القانون الجديد أن يفضي إلى برامج وأحزاب، “بيد أنه لم تخرج لا برامج ولا أحزاب”، ولكنه طرح تساؤلاً “هل السبب عيب في القانون أم أن هذا واقع الحال؟”، الرزاز أجاب بـ”ضعف القدرة على تشكيل الاحزاب وفاعليات برامجية ميدانية ولأسباب عديدة”.

كما نقل رأياً ثانياً سمعه يتعلق بالحاجة إلى تطوير على القانون بمفصل أو مفصلين، ملمحاً إلى نظام القوائم، وهنا ذكّر الرزاز بأن الملك وصف القانون ب”الجيد” ولم يصفه ب”المثالي”، لكن الملك في حقيقة الأمر وصف جوهر القانون ب”الجيد”.

وأما الرأي الثالث، فقد أشار الرئيس إلى أن هنالك من يدعو إلى صوتين أو 3 أصوات على مستوى المحافظة، بحيث يكون للفرد صوت للقرابة وآخر يمثل تطلعاته – وفق ما تلمس الرزاز -.

إذن، علّق الرئيس على أول رأيين بينما ترك الثالث “يتيماً” من دون أي رأي يبديه حوله أو حتى إسناد تبرير لمؤيديه، وهذا يُفسّر التوجه الحكومي بعدم منح الأولوية للملف السياسي حيث يعلو الملف الاقتصادي الذي بدأت الحكومة بجملة من الحزم المتعلقة به التي قالت إنها تهدف إلى حصول نمو في العام المقبل.

الحكومة تضع كل جهدها في الشأن الاقتصادي، وهنا يمكن ملاحظة التصريح الذي أطلقه وزير الشؤون السياسية موسى المعايطة قبل أيام عبر شاشة التلفزيون الأردني ولم يتوقف عنده الكثيرون، وقال فيه إن “الأردن تجاوز مرحلة الإصلاح السياسي”، ولم يغلق الوزير الباب كاملاً خشية النقد وهو يؤكد “أن عملية التنمية السياسية مستمرة ولا رجعة عنها”.

قبل شهور أيضاً، سارعت وزارة الشؤون السياسية لتوضيح خبر نُقل على لسان وزيرها حول قانون الانتخاب كان من شأنه أن يربك الموقف الحكومي الصامت إزاء قانون الانتخاب، حيث أكدت الوزارة في توضيحها أن تصريح الوزير في صحيفة يومية يفيد بأن “مجلس الوزراء لم يناقش أية تعديلات حول قانون الانتخاب”.

الموقف الحكومي من قانون الانتخاب يؤكد أن القانون الأبرز في المرحلة الحالية والذي يجب إنجازه على أكمل وجه “قانون الموازنة العامة”، والذي قد يقرّه مجلس النواب أواخر الشهر المقبل أو مطلع العام الجديد على أبعد تقدير، وما بعده من موقف وملفات من المشهد السياسي برمته يبقى تحت يافطة “لكل حادث حديث”.

على الجبهة النيابية، فباستثناء كتلة الإصلاح النيابية فإنه لم تظهر أي حماسة لدى أعضاء مجلس النواب في الضغط على الحكومة لإرسال مشروع قانون للانتخاب، في حين صدرت تصريحات عن رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة تدعو إلى إجراء تعديلات جوهرية على القانون.

تصريحات الطراونة التي كانت في جلسة حوارية الصيف الماضي تلاشت ولم يعد يتمسك بها أو يطرحها من جديد، وقد كشف عن موقفه هذا في الوقت الذي أعلن فيه اعتزاله “العمل البرلماني”، وهو الأمر الذي سحب الزخم الكافي من تصريحات الرئيس الطراونة.

أما الهيئة المستقلة للانتخاب اللاعب الأساس في العملية الانتخابية قدمت رؤيتها حول التعديلات المطلوبة في التشريعات وهي في أغلبها تتعلق بالأنظمة، وهو أمر يسعف الحكومة فيما يتعلق بتجنيب قانون الانتخاب أي تعديل إذا ما كانت وجهة نظرها أميل إلى هذا الموقف.

يُعزز هذه النظرية ما تحدث به رئيس الوزراء حول الجدوى من تعديل قانون الانتخاب، تسانده آراء تتحدث عن أن المفصل الأهم في الانتخابات تتمثل في الشفافية والنزاهة ومحاربة المال السياسي الذي يسميه رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب خالد الكلالدة “المال الأسود”، والذي يبدو أنه – اي الكلالدة – لا يُحبّذ تعديل القانون حيث وصف في لقاء له قبل أسابيع في إحدى الجمعيات السياسية بأن قانون الانتخاب هو “قانون مصالح” ولا يمكن لأي تعديل أن يرضي الجميع.

ويرقب الجميع مآلات المشهد في الشهور القليلة المقبلة، حيث تتوقف التطورات على عامل المواقيت الدستورية التي رسمت معالم الطريق ببدائلها المتنوعة، وبينما يقلب الكثيرون أجندة الأيام التي تمضي باتجاه المواعيد المتعلقة بانتهاء عمر مجلس النواب الثامن عشر الذي يدنو من اقفال فصله التشريعي، يأمل البعض في الخيارات المتاحة دستورياً.

وانطلقت الدورة العادية الرابعة والتي يُعتقد أنها الأخيرة في العاشر من شهر تشرين الثاني، وستمتد ل 6 شهور وفق الدستور بحيث ستنتهي مدتها في العشرين من شهر أيار مايو المقبل.

ويحق لجلالة الملك وفق الدستور أن يحل مجلس النواب قبل انتهاء هذه المدة (وفقاً للمادة 34) إذا ما استقر الرأي حول إجراء انتخابات مُبكرة، كما يتيح لجلالته أن يعلن بعد انتهاء الدورة حل مجلس النواب والدعوة لانتخابات.

كما يجيز الدستور للملك (وفقاً للمادة 68) أن يُمدّد عمر المجلس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سنتين، كما لا يوجد ما يمنع دستورياً أن يبقى المجلس قائماً ليسلم المجلس الثامن عشر المجلس التاسع عشر (وهو نادر ما يحصل لأنه يخالف من وجه بعض القانونيين العرف الدستوري)، وهنا يمكن بقاء حكومة عمر الرزاز من دون أن ترحل حيث يُلزمها الدستور (وفقاً للمادة 74) بالاستقالة خلال أسبوع في حال قرر الملك حل مجلس النواب قبل الدعوة لانتخابات عامة. 






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق